سورة البقرة
الثمن 1 من الحزب 1
- الإيمان بالغيب ،- والقيام بالفرائض ،- والإيمان بالرسل كافة ،- واليقين بعد ذلك بالآخرة . .
- للشعور،- والعمل ،- والإيمان- والنظام .
فالسمة الأولى-
( الذين يؤمنون بالغيب ) . .
- أنها النقلة البعيدة الأثر في تصور الإنسان لحقيقة الوجود كله ولحقيقة وجوده الذاتي، ولحقيقة القوى المنطلقة في كيان هذا الوجود، وفي إحساسه بالكون وما وراء الكون من قدرة وتدبير .
- كما أنها النقلة البعيدة الأثر في حياته على الأرض ؛ فليس من يعيش في الحيز الصغير الذي تدركه حواسه كمن يعيش في الكون الكبير الذي تدركه بديهته وبصيرته ؛ ويتلقى أصداءه وإيحاءاته في أطوائه وأعماقه ، ويشعر أن مداه أوسع في الزمان والمكان من كل ما يدركه وعيه في عمره القصير المحدود ، وأن وراء الكون ظاهره وخافيه ، حقيقة أكبر من الكون ، هي التي صدر عنها ، واستمد من وجودها وجوده . . حقيقة الذات الإلهية التي لا تدركها الأبصار ولا تحيط بها العقول .
- كما أنها النقلة البعيدة الأثر في صيانة الطاقة الفكرية المحدودة المجال عن التبدد والتمزق والانشغال بما لم تخلق له ، وما لم توهب القدرة للإحاطة به ، وما لا يجدي شيئا أن تنفق فيه . فالطاقة الفكرية التي وهبها الإنسان ، وهبها له لتقوم بالاستخلاف في هذه الأرض ، وتدع للمجهول حصته في الغيب الذي لا تحيط به العقول. فأما محاولة إدراك ما وراء الواقع بالعقل المحدود الطاقة محاولة فاشلة أولا ، ومحاولة عابثة أخيرا .
- فاشلة لأنها تستخدم أداة لم تخلق لرصد هذا المجال. - وعابثة لأنها تبدد طاقة العقل التي لم تخلق لمثل هذا المجال.
إن عدم إدراك الانسان للمجهول لا ينفي وجوده في ضمير الغيب المكنون ؛ وأن على هذا الانسان أن يكل الغيب إلى طاقة أخرى غير طاقة العقل ؛ وأن يتلقى العلم في شأنه من العليم الخبير الذي يحيط بالظاهر والباطن ، والغيب والشهادة . . وهذا الاحترام لمنطق العقل في هذا الشأن هو الذي يتحلى به المؤمنون ، وهو الصفة الأولى من صفات المتقين .
أما المنتكسون فيريدوا أن يعودوا بالإنسان إلى عالم البهيمة الذي لا وجود فيه لغير المحسوس ! ويسمون هذا " تقدمية " وهو النكسة التي وقى الله المؤمنين إياها ، فجعل صفتهم المميزة ، صفة : ( الذين يؤمنون بالغيب ) والحمد لله على نعمائه !
والسمة الثانية-
( ويقيمون الصلاة ) . .
لا سجود الا لله. الاتجاه بالعبادة الى لله وحده ، إلى القوة المطلقة بغير حدود . اتصال بالله على مدار الليل والنهار،يعطي لحيات الانسان غاية ويشعره أنه موصول بخالق المخاليق . .
- وهذا مصدر قوة للضمير ،
- كما أنه مصدر التقوى ،
- وعامل هام من عوامل تربية الشخصية ، وجعلها ربانية التصور ، ربانية الشعور ، ربانية السلوك .
- والسمة الثالثة
( ومما رزقناهم ينفقون ) . .
المال الذي في الأيدي هو من رزق الله ؛ ومن هذا الاعتراف ينبثق البر بضعاف الخلق ، والتضامن بين عيال الخالق ، والشعور بالآصرة الإنسانية ، وبالأخوة البشرية . .
- وقيمة هذا كله تتجلى في تطهير النفس من الشح ، وتزكيتها بالبر .
- وقيمة هذا كله أن يرى المؤمن الحق الحياة مجال تعاون لا معترك تطاحن ،
- وقيمة هذا كله أن يشعر العاجز والضعيف والقاصر ، أنهم يعيشون بين قلوب ووجوه ونفوس ، لا بين أظفار ومخالب وأنياب !
{ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ } (4)
( وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ )
وهي الصفة اللائقة بالأمة المسلمة ، وارثة العقائد السماوية ، ووارثة النبوات منذ فجر البشرية ، والحفيظة عليها
- وقيمة هذه الصفة هي الشعور بوحدة البشرية ، ووحدة دينها ، ووحدة رسلها ، ووحدة معبودها . .
- وقيمتها هي تنقية الروح من التعصب الذميم ضد الديانات والمؤمنين بالديانات ما داموا على الطريق الصحيح . .
- وقيمتها هي الاطمئنان إلى رعاية الله للبشرية على تطاول أجيالها وأحقابها . هذه الرعاية البادية في توالي الرسل والرسالات بدين واحد وهدى واحد .
- قيمتها هي الاعتزاز بالهدى الذي تتقلب الأيام والأزمان ، وهو ثابت مطرد ، كالنجم الهادي في دياجير الظلام .
( وبالآخرة هم يوقنون ) . .
وهذه خاتمة السمات . الخاتمة التي تربط
- الدنيا بالآخرة ،
- والمبدأ بالمصير ،
- والعمل بالجزاء ؛
انها الخاتمة التي تشعر الإنسان أنه لم يخلق عبثا ، ولن يترك سدى ؛ وأن العدالة المطلقة في انتظاره , عدل الله روحمته في نهاية المطاف ، فيطمئن قلبه ، ويفيء إلى العمل الصالح . اليقين بالآخرة هو مفرق الطريق:
- بين من يعيش بين جدران الحس المغلقة ، ومن يعيش في الوجود المديد الرحيب.
- وبين من يشعر أن حياته على الأرض ابتلاء يمهد للجزاء ، وأن الحياة الحقيقية إنما هي هنالك ، وراء هذا الحيز الصغير المحدود.
كل صفة من هذه الصفات - كما رأينا - ذات قيمة في الحياة
الإنسانية:
- فمع التقوى والإيمان بالغيب عبادة الله في الصورة التي اختارها ، وجعلها صلة بين العبد والرب.
- ثم السخاء بجزء من الرزق اعترافا بجميل العطاء ، وشعورا بالإخاء.
- ثم سعة الضمير لموكب الإيمان العريق ، والشعور بآصرة القربى لكل مؤمن ولكل نبي ولكل رسالة
- ثم اليقين بالآخرة بلا تردد ولا تأرجح في هذا اليقين . .
وهذه كانت صورة الجماعة المسلمة التي قامت في المدينة يوم
ذاك ، مؤلفة من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار . وكانت هذه الجماعة بهذه الصفات شيئا عظيما . شيئا عظيما حقا بتمثل هذه الحقيقة الإيمانية فيها . ومن ثم صنع الله بهذه الجماعة أشياء عظيمة في الأرض ، وفي حياة البشر جميعا
{ أولئك على هدى من ربهم ، وأولئك هم المفلحون } .
وكذلك اهتدوا وكذلك أفلحوا . والطريق للهدى والفلاح هو هذا
الطريق المرسوم
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ ءَأَنذَرۡتَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تُنذِرۡهُمۡ لَا
يُؤۡمِنُونَ } (6)
فأما الصورة الثانية فهي صورة الكافرين . وهي تمثل مقومات الكفر في كل أرض وفي كل حين :
( إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون . ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ، وعلى أبصارهم غشاوة ، ولهم عذاب عظيم ) . .
وهنا نجد التقابل تاما بين صورة المتقين وصورة الكافرين . .
فإذا كان الكتاب بذاته هدى للمتقين ، فإن الإنذار وعدم الإنذار سواء بالقياس إلى الكافرين .
إن النوافذ المفتوحة في أرواح المتقين ، والوشائج التي تربطهم بالوجود وبخالق الوجود ، وبالظاهر والباطن والغيب والحاضر . .
إن هذه النوافذ المفتحة كلها هناك ، مغلقة كلها هنا .
{ خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَعَلَىٰ سَمۡعِهِمۡۖ وَعَلَىٰٓ أَبۡصَٰرِهِمۡ غِشَٰوَةٞۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ } (7)
( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم )
ختم على قلوبهم فهي معطلة لا تصل إليها حقيقة .
( وعلى أبصارهم غشاوة ) . .
وغشي على أبصارهم فلا نور يوصوص فيهدي في ظلمات الطريق . !
( ولهم عذاب عظيم ) . .
وهي النهاية الطبيعية للكفر المطموس العنيد ، الذي لا يستجيب للنذير ؛ والذي يستوي عنده الإنذار وعدم الإنذار .
{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ } (8)
ثم ننتقل إلى النموذج الثالث :
إنها ليست في شفافية الصورة الأولى وسماحتها . وليست في عتامة الصورة الثانية وصفاقتها . ولكنها تتلوى في الحس . وتروغ من البصر ، وتخفى وتبين
إنها صورة المنافقين :
لقد كانت هذه صورة واقعة في المدينة ؛ ولكننا نجدها نموذجا مكرورا في أجيال البشرية جميعا .
نجد هذا النوع من المنافقين من علية الناس الذين لا يجدون في أنفسهم الشجاعة ليواجهوا الحق بالإيمان الصريح ، أو يجدون في نفوسهم الجرأة ليواجهوا الحق بالإنكار الصريح . وهم في الوقت ذاته يتخذون لأنفسهم مكان المترفع على جماهير الناس ، وعلى تصورهم للأمور !
ومن ثم نميل إلى مواجهة هذه النصوص كما لو كانت مطلقة من مناسبتها التاريخية ، موجهة إلى هذا الفريق من المنافقين في كل جيل . وإلى صميم النفس الإنسانية الثابت في كل جيل
إنهم يدعون الإيمان بالله واليوم الآخر . وهم في الحقيقة ليسوا بمؤمنين . إنما هم منافقون لا يجرؤون على الإنكار والتصريح
بحقيقة شعورهم في مواجهة المؤمنين .
يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُون}
( 9 ) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ( 10 )}
انهم يظنون في أنفسهم الذكاء والدهاء والقدرة على خداع هؤلاء البسطاء ؛ ولكن القرآن يصف حقيقة فعلتهم ، فهم لا يخادعون المؤمنين ،
إنما يخادعون الله كذلك أو يحاولون :
( يخادعون الله والذين آمنوا ) . .
وهنا نقف أمام حقيقة كبيرة . تلك الحقيقة هي التي يؤكدها القرآن دائما ويقررها:
انها حقيقة الصلة بين الله والمؤمنين .
إن الله يجعل صفهم صفه ، وأمرهم أمره . وشأنهم شأنه . يضمهم سبحانه إليه ، ويأخذهم في كنفه ، ويجعل عدوهم عدوه ، وما يوجه إليهم من مكر موجها إليه - سبحانه - وهذا هو التفضل العلوي الكريم . . التفضل الذي يرفع مقام المؤمنين وحقيقتهم إلى هذا المستوى السامق ؛ والذي يسكب في قلب المؤمن طمأنينة لا حد لها ، وهو يرى الله - جل شأنه - يجعل قضيته هي قضيته ، ومعركته هي معركته ، وعدوه هو عدوه ، ويأخذه في صفة ، ويرفعه إلى جواره الكريم . . فماذا يكون العبيد وكيدهم وخداعهم وأذاهم الصغير ؟ !
وانها في ذات الوقت تهديد رعيب للذين يحاولون خداع المؤمنين والمكر بهم ، وإيصال الأذى إليهم . تهديد لهم بأن معركتهم ليست مع المؤمنين وحدهم إنما هي مع الله القوي الجبار القهار . وأنهم إنما يحاربون الله حين يحاربون أولياءه ، وإنما يتصدون لنقمة الله حين يحاولون هذه المحاولة اللئيمة
ونعود إلى هؤلاء الذين يخادعون الله والذين آمنوا
( وما يخدعون إلا أنفسهم ، وما يشعرون )
إن الله بخداعهم عليم ؛ والمؤمنون في كنفه فهو حافظهم من هذا الخداع اللئيم . فهم يخدعون أنفسهم ويغشونها . يخدعونها حين يظنون أنهم أربحوها وأكسبوها بهذا النفاق
وهم في الحقيقة يوردونها موارد التهلكة
{ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ } (10)
( في قلوبهم مرض ) . .
ما يحيد بهم عن الطريق الواضح المستقيم
أن في طبيعتهم آفة وفي قلوبهم علة
تجعلهم يستحقون من الله أن يزيدهم مما هم فيه
( فزادهم الله مرضا ) . .
فالمرض له مضاعفات ، والانحراف يبدأ يسيرا ، ثم تنفرج الزاوية في كل خطوة وتزداد .
سنة لا تتخلف . سنة الله في الأشياء والأوضاع ، وفي المشاعر والسلوك . فهم صائرون إذن إلى مصير معلوم
المصير الذي يستحقه من يخادعون الله والمؤمنين :
( ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ) .
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ قَالُوٓاْ إِنَّمَا نَحۡنُ مُصۡلِحُونَ } (11)
وهذه صفة أخرى من صفاتهم - وبخاصة الذين كان لهم في أول العهد بالهجرة مقام في قومهم ورياسة وسلطان كعبد الله بن أبي
بن سلول - وهي صفة العناد وتبرير ما يأتون من الفساد .
إنهم لا يقفون عند حد من الكذب والخداع ونفي الفساد عن أنفسهم،
بل يتجاوزونه الى القول بأنهم مصلحون
يقولونها لأن الموازين مختلة في أيديهم . ومتى اختل الميزان في النفس اختلت سائر الموازين والقيم.
فيتعذر الشعور بفساد الأعمال، لأن ميزان الخير والشر والصلاح والفساد في نفوسهم يتأرجح مع الأهواء الذاتية، ولا يثوب إلى قاعدة ربانية . .
ومن ثم يجيء التعقيب الحاسم والتقرير الصادق :
{ أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡمُفۡسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشۡعُرُونَ } (12)
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ كَمَآ ءَامَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ كَمَآ ءَامَنَ ٱلسُّفَهَآءُۗ أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَٰكِن لَّا يَعۡلَمُونَ } (13)
وواضح أن الدعوة التي كانت موجهة إليهم في المدينة هي أن يؤمنوا الإيمان الخالص المستقيم المتجرد من الأهواء . إيمان المخلصين الذين أسلموا وجوههم لله ، وفتحوا صدورهم لرسول الله (صلعم)
وواضح أنهم كانوا يأنفون من هذا الاستسلام للرسول
ويرونه خاصا بفقراء الناس غير لائق بذوي المقام ! ومن ثم قالوا قولتهم هذه
( أنؤمن كما آمن السفهاء ؟ )
يأتي الرد الحاسم:
( ألا إنهم هم السفهاء ، ولكن لا يعلمون ) . .
ومتى علم السفيه أنه سفيه ؟
ومتى استشعر المنحرف أنه بعيذ عن المسلك القويم ؟
{ وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ إِلَىٰ شَيَٰطِينِهِمۡ قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمۡ إِنَّمَا نَحۡنُ مُسۡتَهۡزِءُونَ } (14)
ثم تجيء السمة الأخيرة التي تكشف عن مدى الارتباط بين المنافقين في المدينة واليهود الحانقين . .
إنهم لا يقفون عند حد الكذب والخداع ، والسفه والادعاء ،
إنما يضيفون إليها الضعف واللؤم والتآمر في الظلام :
( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا : آمنا ، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا : إنا معكم ، إنما نحن مستهزؤون ) . .
بعض الناس يحسب اللؤم قوة ،
والمكر السيىء براعة
وهو في حقيقته ضعف وخسة .
فالقوي ليس لئيما ولا خبيثا ، ولا خادعا ولا متآمرا ولا غمازا في الخفاء لمازا .
وهؤلاء المنافقون الذين كانوا يجبنون عن المواجهة ، ويتظاهرون بالإيمان عند لقاء المؤمنين ، ليتقوا الأذى ، وليتخذوا هذا الستار وسيلة للأذى . . هؤلاء كانوا إذا خلوا إلى شياطينهم - وهم غالبا - اليهود الذين كانوا يجدون في هؤلاء المنافقين أداة لتمزيق الصف الإسلامي وتفتيته ، كما أن هؤلاء كانوا يجدون في اليهود سندا وملاذا . . هؤلاء المنافقون كانوا
( إذا خلوا إلى شياطينهم قالوا : إنا معكم إنما نحن مستهزئون )
.أي بالمؤمنين - بما نظهره من الإيمان والتصديق
{ ٱللَّهُ يَسۡتَهۡزِئُ بِهِمۡ وَيَمُدُّهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ } (15)
وما يكاد القرآن يحكي فعلتهم هذه وقولتهم ،
حتى يصب عليهم من التهديد ما يهد الرواسي
( الله يستهزئ بهم ، ويمدهم في طغيانهم يعمهون ) . .
وما أبأس من يستهزيء به جبار السماوات والأرض وما أشقاه ! ! وإن الخيال ليمتد إلى مشهد مفزع رعيب . وإلى مصير تقشعر من هوله القلوب
وهو يقرأ :
( الله يستهزئ بهم ، ويمدهم في طغيانهم يعمهون )
. . يدعهم يخبطون على غير هدى في طريق لا يعرفون غايته ، واليد الجبارة تتلقفهم في نهايته ، كالفئران الهزيلة تتواثب في الفخ .
وهذا هو الاستهزاء الرعيب .
وهنا كذلك تبدو تلك الحقيقة التي أشرنا من قبل إليها . حقيقة تولي الله - سبحانه - للمعركة التي يراد بها المؤمنون . وما وراء هذا التولي من طمأنينة كاملة لأولياء الله ، ومصير رعيب بشع
لأعداء الله الغافلين.
{ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ } (16
فلقد كانوا يملكون الهدى - وكان الهدى في أيديهم
كأغفل ما يكون المتجرون ولكنهم
( اشتروا الضلالة بالهدى )
( فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ) . .
لم يحققوا شيئا له فائدة، وخسروا الهدى،
أي خسروا الربح ورأس المال.
🌟🌟🌟🌟🌟🌟🌟🌟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire