تدبر سورة البقرة مقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

الإنسان لم يخلق نفسه. فلابدله من دليل يسير عليه صادر عن الخالق الصانع الذي خلق ذلك الانسان ويعلم أسرار وخفايا تلك الصنعة , تلك النفس البشرية:

 يعلم ما يحزنها وما يُسعدها، 

يعلم ما يضرّها وما ينفعها، 

يعلم ما يأتي لها بالخير والنفع والصلاح وما يأتي عليها بالشر والوبال سواء أكانت تلك النفس تعيش بمفردها أو تعيش في مجتمع أو تعيش في أسرة أو تعيش في أمة. 

السورة التي بين أيدينا اليوم هي السورة التي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بتلاوتها وتعلمها، وهي السورة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: 

«اقرؤا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة» (مسلم: 804)، والبطلة: هم السحرة. "

يقول النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته لأمته بتعلم السورة التي بين أيدينا وإحقاقها في واقع حياتنا أفرادًا أو مجتمعات،

وهي السورة التي وصفها مع آل عمران بأنهما الزهراوين. 

يقول صلى الله عليه وسلم ” تعلموا القرآن” 

والتعلم لا يكون محصورًا فقط بالتلاوة أو الحفظ في الصدور، التعلم يمعنى التطبيق، التعلم بمعنى السير على المنهاج الذي جاء به القرآن وجاءت به السيرة النبوية.

وردت كلمة «منهاج» في الكتاب والسنة:

قال الله عز من قائل: { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً } (المائدة، 48). 

فسر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الشرعة بأنها ما جاء به القرآن، والمنهاج ما جاءت به السنة. فعلى هذا تكون  الشِّرْعَةُ أمرَ الله المنزل، ويكون المنهاج هو التطبيقَ العملي للشريعة، وإنزالَها على أحداث التاريخ في الإطار الزماني والمكاني والاجتماعي الاقتصادي السياسي المتغير.  

فلا يمكن أن يُفهم تعلم القرآن بعيدًا عن تطبيقه في الواقع، بعيدًا عن تنفيذه.

 لا يمكن أن يكون هناك انفصال أو شرخ بين أن أحفظ الآيات في صدري وأتلوها وبين أن أعيش تلك الآيات في واقعي وتعاملي وأخذي وعطائي وسلوكي وأخلاقي.

وانتبهوا الى قوله صلى الله عليه وسلم " فإن أخذها بركة "

فأخذ الشيئ معناه تناوله و الحصول عليه و الالتزام به

السورة التي بين ايدينا سورة البقرة مع آل عمران سماهما النبي صلى الله عليه وسلم الزهراوين لنورهما الذي ينير الطريق، لما تتضمنان من هدايته وعظيم الأجر. 

تعلموا القرآن، تعلموا البقرة وآل عمران، تعلموا الزهراوين فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صوافّ تحاجّان عن صاحبهما، تعلموا سورة البقرة فإن تعليمها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البَطَلة." 

صاحبهما بمعنى الملازم لهما والذي ترافقانه ويرافقهما بعنايه, وهي معنى الصحبة.

أوصى اذا صلى الله عليه وسلم بتعلم هذه السورة، وأوصى لأن نآخذ الكلمات والآيات التي فيها لنجعل منها دستورًا نسير عليه في حياتنا، ولتكون في قلوبنا وتكون في عقلنا وتكون في حياتنا وواقعنا. 

( خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63))

انها سورة عظيمة هذه السورة التي بين أيدينا، سورة البقرة، السورة التي جاءت إجابة على السؤال والدعاء الملحّ الذي يلحّ به العبد على ربه في سورة الفاتحة حين يقول 

( اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ

فإذا بسورة البقرة تأتي وتفتتح بقوله عز وجل: 

(الم ﴿١﴾ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَفِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ﴿٢﴾) 

تريد الهداية؟ وتطلب الهداية وتدعو لنفسك بالهداية؟ 

فهاك الجواب 

ذلك الكتاب هو الهداية (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ).

من هنا نستطيع أن نفهم لِمَ هذه السورة العظيمة مع آل عمران جاءتا لتسميا الزهراوين: النور والهداية. 

ويقصد بالزهراوين الأبيض المنير، فالزاهر هو الأبيض الناصع البياض. 
الا أن نورالشمس مثلا يمكن أن يكون موجودا - ولكني إذا أغلقت نوافذ ومنافذ منزلي فلن أستطيع أن أرى هذا النور وهذا الضياء ؟! لا يمكن. 
النورموجود والهداية موجودة في (ذَلِكَ الْكِتَابُكنور الشمس لا ينطفئ - الا أنك اذا أغلقت المنافذ  فأنت من أعلقت وأنت من أبتعدتفلا بد لك أن تفتح لهذا النور منافذ عقلك وإدراكك وقلبك وإحساساتك وحياتك لأجل أن ينفذ النوراليها فيملأها وينيرها. 

كان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يمكثون السنوات الطوال لتعلم سورة البقرة كما ورد عن عبد الله بن عمر مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلم السورة - والعرب كما نعلم هم أمة حافظة فكان أسهل شيء عليهم أن يحفظوا الكلمات والحروف في مدة وجيزة - ولكن ما كان هذا مقصدهم. بل كان حفظ الآيات والتعاليم والأوامر في واقعهم وتطبيقها والدفاخ عنها في مجتمعهم المقصد والغاية الأساس. 

ومن هنا نفهم معنى الحديث عن الزهراوين:

( فإنَّهُما تَأْتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ كَأنَّهُما غَيايَتانِ، أوْ كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما ).[٢]

جاءتا تشفعان لصاحبهما وتدافعان عنه يوم القيامة لما دافع عن أحكامهما وأوامرهما وتطبيقهما في واقع حياته - الجزاء من جنس العمل. 

اّذا ونحن بصدد الكلام عن سورة البقرة , ليس هناك أي نوع من أنواع اللبس أو الوهم في فهم هذه الأحاديث العظيمة الواردة في فضلها - فإن أخذها و تطبيقها هوالغاية الأساس من نزولها.

نزلت لأجل أن تحفظ في الحياة، تحفظ في دستوره - في التعامل - في الاقتصاد - في الأسرة - في الزواج - في الخطبة - في الرضاع - في الطلاق كما سنأتي عليه في تفاصيله في مواضعه في سورة البقرة. 

ثم إن في سورة البقرة تلك الآية العظيمة التي سنأتي عليها في موضعها، هذه الآية التي هي أعظم آية في كتاب الله، 

انها آية الكرسي - الآية التي لا يزال على الإنسان حافظ ولا يقربه شيطان إذا ما قرأ بها حين يأوي إلى فراشه. 

السورة سورة هداية، سورة نور في الدنيا وفي الآخرة لأصحابها، لمن يقوم بحقها، لمن أخذ بها. لمن دافع عنها.

سورة البقرة تتألف من ثلاثة أجزاء: 

👈 - الجزء الأول منذ البدايته يقيم دعائم الهداية وهو المقصد الأساس في السورة كما قلنا 

فهذه السورة من أوائل ما نزل من السور بعد الهجرة . 

وكل آية في هذه السورى متضمنة للتوحيد شاهدة به داعية إليه. فالجزء الأول في سورة البقرة أقام دعائم الهداية على التوحيد

 وبيّن منذ البداية أن لا عمل  ولا بناء يصحّ إلا حين يُبنى على ذلك التوحيد 

الم ذلك الكتاب لا ريب فيه ، هدى للمتقين ، الذين يؤمنون بالغيب ، ويقيمون الصلاة ، ومما رزقناهم ينفقون . والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ، وبالآخرة هم يوقنون . أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون . . }

ومن باب اقامة دعائم التوحيد - تريح السورة في مطلعها  الانسان من التخبط في فلسفات عقيمة بحثا عن من أين والى أين ؟ تقدم السورة صفاء التصور للانسان عن سر وجوده : 

(  يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ( 21 ) الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ) ( 22 )

وتجيبه عن سؤاله المحير من أين أتيت والى أين أسير- ثم تذكره السورة بمهمته - مهمة الإنسان الخليفة الذي ما جعله الله على هذه الأرض ليلعب ويعبث، وإنما  ليقوم منهج التوحيد في حياته وفي واقعه ويتقنه 

كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ، ثم يميتكم ثم يحييكم ، ثم إليه ترجعون ! هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ، وهو بكل شيء عليم ) . . 

وعند هذا المقطع الذي يشير إلى خلق ما في الأرض جميعا للناس تجيء قصة استخلاف آدم في الأرض : 

( وإذ قال ربك للملائكة : إني جاعل في الأرض خليفة )... 

وتمضي القصة تصف المعركة الخالدة بين آدم والشيطان حتى تنتهي بعهد الاستخلاف - وهو عهد الإيمان - : 

قلنا : اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى ، فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون . والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) . . 

إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً )

ربي سبحانه وتعالى ما خلق البشر فوضى وما أراد لعباده أن يتركهم هكذا يعبثون ويلعبون ويجربون القانون تلو القانون والدستور تلو الدستور، أبدًا - ربي سبحانه وتعالى ما كان ليترك عباده هَملًا بلا منهج - ولذلك منذ اللحظة التي نزل ربي سبحانه وتعالى فيها أدم أعطى له ذلك المنهج فقال 

قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (38)) 


تضم هذه السورة عدة موضوعات  يجمعها محور واحد مزدوج يترابط الخطان الرئيسيان فيه ترابطا شديدا . 

 الخط الأول يدور حول موقف بني إسرائيل من الدعوة الإسلامية في المدينة:

-  مواجهتهم لرسول هذه الدعوة ص ] وللجماعة المسلمة الناشئة. 

- والعلاقة القوية بين اليهود والمنافقين  من جهة وبين اليهود والمشركين من جهة أخرى . . 

★ والخط الثاني يدور حول موقف الجماعة المسلمة في أول نشأتها:

إعدادها لحمل أمانة الدعوة والخلافة في الأرض على منهاج التوحيد، بعد نقض بني اسرائيل لعهد الله بخصوصها ، وتجريدهم من شرف الانتساب الحقيقي لإبراهيم - عليه السلام - و تبصير هذه الجماعة المسلمة وتحذيرها من العثرات التي سببت لبني اسرائيل هذا التجريد من الشرف العظيم لحمل الأمانة. 

فنجد السورة تفتتح في مطلعها بوصف لأصناف الناس باعتبار موقفهم من الدين وباعتبارهم الأصناف الذين يتشكل منهم المجتمع الأول الذي ستبنى عليه دولة الاسلام.

منهم المؤمن الصادق، وكان منهم الكافر المعلن، وكان منهم المنافق المستتر، غير أن الله العليم الخبير بأصناف الناس وشرورهم أطال الحديث عن المنافق وخصه بزيادة بيان أكثر مما تحدث به عن الصنفين الآخرين، وهذا التخصيص يؤكد خطورة المنافقين في إلحاق الضرر الأشد بالمسلمين في أس البناء في بدايتة و أثناء البناء وعند اكتماله .

{ ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين . يخادعون الله والذين آمنوا ، وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون . في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ؛ ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون } 

 وفي ثنايا هذه الحملة على المنافقين - الذين في قلوبهم مرض - نجد إشارة إلى شياطينهم ولا شك انها اشارة الى بني اسرائيل.  

فتقدّم السورة العظيمة في الجزء الأول النموذجً الواضحح، والمثال العملي لأمة من الأمم ما استطاعت أن تقيم التوحيد في حياتها وفق المنهج الرباني الذي نزل عليها - أمة بني إسرائيل. 

أمة بني إسرائيل اختارها الله عز وجل وفضّلها على العالمين، فضّلها ليس بناء على قومية أو عِرْق أو ما شابه ذلك - فالله سبحانه وتعالى العَدْل خلق الخلق والكل عنده سواء - وإنما أوكل لتلك الأمة أمة بني إسرائيل مهمة اقامة التوحيد في حياتها وفق ذلك المنهاج الذي أنزله على النبي موسى عليه السلام وبقية الأنبياء من بني إسرائيل. 

تعرض السورة في هذا الجزء الأول مواقف متعددة متنوعة لبني إسرائيل في سياق التذكير والتحذير لهذه الأمة، أمة القرآن من تعامل بني إسرائيل مع منهجهم، ومع دعوة نبيهم موسى عليه السلام مع التوراة كيف تعاملوا مع تعاليمها. 

لقد كان بنو اسرائيل هم أول من اصطدم بالدعوة في المدينة

وكان لهذا الاصطدام أسبابه :

فقد كان لهم في يثرب مركز ممتاز بسبب أنهم أهل كتاب بين الأميين من العرب 

ولقد كان اليهود يزعمون أنهم شعب الله المختار. 

وهذا الشعور بالاستعلاء والاستكبار على جميع الخلق داء عضال ومزمن عند الأمة اليهودية. فكانوا يتطلعون أن يكون الرسول الأخير فيهم 

فلما وجدوه يدعوهم -  إلى كتاب الله ، أخذتهم العزة بالإثم ، وحكموا على توجيه الدعوة إليهم أنها  إهانة واستطالة على الشعب المختار

   لقد كان هنالك من بين  الأوس والخزرج خصام وهي البيئة التي يجد اليهود دائما  لهم فيها عملا من خلال الدس والكيد. 

فلما أن جاء الإسلام سلبهم هذه المزايا 

فلقد جاء بكتاب مصدق لما بين يديه من الكتاب ومهيمن عليه  

ثم إنه أزال الفرقة بين العرب ، ووحد الإسلام الصف الذي يضم الأوس والخزرج ، وقد أصبحوا منذ اليوم يعرفون باسم واحد وهو الأنصار.

ومن أهم ما أثار غضب اليهود أن الاسلام حرم الربا والربا  المضاعف الذي كانوا يسيطرون به على الحياة الاقتصادية في المدينة. و

وهو نفس الربا الذي يسيطرون به اليوم  على العالم وعلى مراكز القرار  !          

لهذا وقف اليهود من الدعوة الإسلامية هذا الموقف المتصلب الذي تصفه سورة البقرة ، وسور غيرها كثيرة ] ، نقتطف هنا بعض الآيات التي تشير إليه . .        

جاء في مقدمة الحديث عن بني إسرائيل هذ النداء العلوي لهم : 

يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون . وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم . ولا تكونوا أول كافر به ، ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ، وإياي فاتقون . ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون . وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين . أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ؟ وأنتم تتلون الكتاب ؟ أفلا تعقلون ؟ ) . .                          

وبعد تذكيرهم طويلا بمواقفهم مع نبيهم موسى - عليه السلام - وجحودهم لنعم الله  . . جاء في سياق الخطاب لتحذير المسلمين منهم

ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ، فلعنة الله على الكافرين ) . . . 

وإذا قيل لهم : آمنوا بما أنزل الله . قالوا : نؤمن بما أنزل علينا ، ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم ) . . . 

ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ) . 

ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم ) . . . 

ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ) . . . 

( وقالوا : لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى . تلك أمانيهم ) . . . 

ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) . . 

ان الرب سبحانه وتعالى أكّد هذه الوصية 

( خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)) والوصية ليست لبني إسرائيل دون غيرهم  . ..

الوصية لكل الأمم، الوصية لهذه الأمة التي نزل فيها القرآن 

خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ ) والحديث عن القوة هنا يتضمن كل أشكال وأسباب القوة المادية والمعنوية حين تأخذ القرآن وتأخذ سورة البقرة وأوامر سورة البقرة - خذها بقوة، خذها بقلبك، خذها بطاعة، خذها بخضوع وانكسار ورغبة حقيقية في تطبيقها في واقع حياتك ودافع عنها بقوة لأن المنهج يحتاج أن تدافع عنه. 

وتأملوا الربط: سورة البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة يحاجّان عن صاحبهما لأن صاحبهما دافع عنهما في الدنيا، دافع عن المنهج وربما دفع ماله وحياته ثمنًا لتطبيق ذلك المنهج. 

إذا كنت أنت مؤمنًا بهذا المنهج حق الإيمان عليك أن تدافع عنه، لأنك بطبيعة الحياة ستواجه أشكالًا من التحديات، أشكالًا من الصعوبات ألوانًا من الابتلاءات، 

ياأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )

وضوح تام في التصور - إن لم تكن لديك القوة الكافية لمواجهة تلك التحديات إذن قطعًا ستفشل في أداء ذلك المنهج. 

السورة تتحدث عن القتال كثيرًا، 

السورة تتحدث عن التضحيات، والصبر الكثير.

(وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ (45)) 

هذه الوصية العظيمة لأجل مواجهة التحديات، الحياة ليست مفروشة بالورود، طريق الحياة وطريق تطبيقك للمنهج في حياتك وفي واقعك ليس مفروشًا بالرياحين والورود بل ربما يأتيك في بعض الأحيان العديد من الصعوبات والأشواك والصخور كيف ستواجه كل ذلك إن لم يكن في قلبك وفي حياتك سورة البقرة العظيمة وهذا القرآن العظيم الذي تحمله بقلبك وتدافع عنه بكل ما أوتيت من قوة؟! 

والسورة تذكرك  ببني إسرائيل الذين لم يتمكنوا من أخذ ذلك الكتاب بقوة، قالوا

( قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا )

وتردد الآيات في سورة البقرة في الجزء الأول مرة بعد مرة قضية العصيان الذي وقع في هذه الأمة إلى الشرك بأنواعه المتعددة، إلى عدم خلوص التوحيد، التوحيد القضية الأولى، ولذلك تقول عنهم الآيات: 

( قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ (93)) 

عبادة العجل التي وقعت في بني إسرائيل، البعد عن التوحيد، التخبط، الزيف، الإنحراف عن المنهج، المماطلة في تنفيذ أوامر الله 

وقالوا :

( قُلُوبُنَا غُلْفٌ (88)) 

أُغلقت، وهي بالفعل قد أُغلقت، كيف أُغلقت؟ الآيات تحدثنا على أنها أشكال من العقوبات التي أصابت قلوب تلك الأمة التي ترنحت في القيام بمنهج الله سبحانه وتعالى وتنفيذه في واقع الحياة.

( وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ )[سورة البقرة:88]

 أغلقت قلوبهم وختمالله عليها قأصبحت قاسية 

(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ (74))  

لم كل هذه العقوبات على القلوب؟ 

لأن الإنسان حينما يُغلق قلبه أمام نور الهداية فإن العقوبة من جنس العمل! إذا أغلق الإنسان قلبه أمام آي القرآن العظيم ولم يسمح لها أن تنفذ وأن تغير في حياته وأن تصحح مساره وأن تهذّب سلوكه وأخقياته لا يمكن إلا أن يكون الا لإغلاق والختم والقسوة - هو الجزاء المناسب لهذه العقوبة ولهذا العمل وهذا الصنيع - وذلك ما حدث في بني إسرائيل. 

أفبعد ما وقع في هذه الأمة من شرك بأنواعه المتعددة و هذا العصيان والجحود تطمعون أن يومنوا لكم ؟

أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ؟  75) . 

ثم خلص في نهاية الجزء الأول من جديد على موضوع التوحيد وأن التوحيد الخالص هو دعوة الأنبياء 

( قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)) 

هذه دعوة الإسلام، تسلّمت الأمة المسلمة التي نزل عليها القرآن المسؤولية العظيمة - مسؤولية القيام بدعوة الأنبياء دون أن تفرّق بين أحد منهم وسواء آمن اليهود والنصارى أو لم يؤمنوا فنحن نؤمن بنبيهم - بل هو نبينا وأنبياؤنا لا نفرّق بين أحد منهم، 

الإسلام جاء ليكون الرسالة التي تختم، الرسالة الخالدة، الرسالة التي تحمي تراث الأنبياء جميعًا، الرسالة التي تحمي تعاليم اليهودية الحقة والنصرانية الحقة التي جاء بها الأنبياء من قبل 


( فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ ) الهداية ( وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)). 

هذا المنهج الرباني الواضح الأسس والمعالم بنته سورة البقرة في الجزء الأول في قلب المؤمن - لا يمكن أن تكون للهداية حقيقة في واقعي دون التوحيد.

لا يكفي أن أشهد فقط أن لا إله إلا الله محمد رسول الله باللسان دون أن أشهدها في واقعي، دون أن أشهد بها في حياتي في تعاملي في عطائي في منعي في بيعي في شرائي في زواجي في طلاقي في الرضاع في السلوكيات التي تحكم أركان الحياة ونواحيها المتعددة، 

لا يمكن، لا بد أن يكون الواقع مصداقًا لتلك الشهادة حتى تدافع عني السورة حقيقة وحتى يشفع لي القرآن. 

كيف يشفع لي القرآن وأُحتَسَب من أهل القرآن وأنا لا أدافع عن ذلك القرآن في واقعي، كيف؟! - والدفاع لا يكون بالخطب الرنانة ولا بالأقوال وإنما بالأفعال وإنما بحماية تلك التعاليم العظيمة التي جاءت في القرآن العظيم وفي هذه السورة الكريمة المباركة. 


👈 - الجزء الثاني في سورة البقرة بدأ بالحديث عن القبلة وتحويل القبلة نحو المسجد الحرام وتحمل الأمة المسلمة التي نزل عليها الكتاب القرآن، الأمة الوسط، مسؤولية الشهادة على الأمم 

( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (143)) 

إذن هي الرسالة هي الأمانة هي تحقيق وحمل تلك الأمانة التي ضيّعها بنو إسرائيل من قبل ونحن بحاجة كأمة أن لا نضيّعها وما جاء في الجزء الأول من حديث عن بني إسرائيل إنما جاء في سياق التحذير لهذه الأمة من أن تقع فيما - وقع فيه بنو إسرائيل من تضييع للأمانة من تضييع لذلك المنهج الرباني المنزل عليهم في التوراة في واقع الحياة وفي سلوكهم وتعاملهم. 

هذه الأمة تحملت تلك المسؤولية.

ولذلك الجزء الثاني واضح جدًا فيه التعاليم المختلفة:

 فيه الآيات التي تحدثت عن القصاص - الآيات التي تحدثت عن الدين - التي تحدثت عن الوصايا - التي تحدثت عن الزواج عن الطلاق - عن الحج - عن الصيام - عن العبادة.

 ما تركت شيئًا إلا وتحدثت عنه، جمعت كل التعاليم جمعت كل الأوامر التي تقيم المنهج في واقع الحياة، التي لا يمكن لمجتمع أن يعيش بعيدًا عنها.

إذن هو المنهج مرة أخرى وهذا المنهج هو الذي تتحدث عنه هذه الآيات العظيمة في الجزء الثاني من سورة البقرة. 

تكلمت آيات سورة البقرة في الجزء الثاني حتى عن العلاقة الخاصة بين الزوجين لتضع تلك العلاقة في إطار من تقوى الله سبحانه وتعالى ومراقبته في السر كما في العلن وختمت في تلك الآيات فقال ( تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)) 

الرب بيّن سبحانه وتعالى بيّن الآيات أوضح المنهج أعطى التفاصيل (لعلهم يتقون) ما تركنا في الدنيا هكذا بلا منهج نتخبّط خبط عشواء لا نعرف أين نذهب ولا نعرف أين نتجه في الزواج أو في الأسرة أو في الطلاق أو الخلاف أو النزاع أو الصلح، أبدًأ، ما تركت السورة شيئًا إلا أوضحته وبيّنته، وأكّدت مرة بعد مرة وهي تسوق الآيات في مختلف مناحي الحياة أن ذلك المنهج لا بد أن يطبّق في إطار من تقوى الله عز وجل - وأن الإنسان الضعيف الذي لا يأخذ تلك التعاليم ويطبقها على نفسه في حياته في قلبه في زواجه بين أفراد أسرته الصغيرة لا يستطيع أبدًا أن يطبّقها في مجتمعه، الأسرة الأكبر - المجتمع هو الأسرة الأكبر .

ان الفرد الذي لا يستطيع أن ينتصر على نزعات نفسه وهواها لا يستطيع أن ينتصر على أحد ولا أن يهزم جيشًا ولا أن يهزم ذبابة لأنه فشل في الانتصار على نفسه وأهوائها ونزعاتها وما فيها من جنوح في بعض الأحيان نحو الشر والفساد، لا بد أن يتعلم - وسورة البقرة تعلّم الإنسان من خلال الأوامر والنواهي كيف يتقي الله كيف يقول لنفسه (لا) حين ينبغي أن يقول لها (لا)، وعلى قدر ما تكون عظمة الله عز وجل في قلب ذلك المؤمن الذي تبنيه السورة في آياتها آية بعد آية على قدر ما يكون تعظيم ذلك الإنسان لأمر الله ووقوفه عن نواهيه - ولذلك الكلام متواصل في السورة في الجزء الثاني عن (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا) لأنه على قدر ما تولّد في قلبي من توحيد وتعظيم لربي عز وجل الآمر الناهي على قدر ما يكبر ويتحقق ذلك الأمر في واقعي وفي حياتي. خشية الله عز وجل تبنيها سورة البقرة. 

ويأتي الكلام عن الجهاد في سبيل الله ليس من باب التسلط على شعوب العالم أبدًا أو إكراه العالم على الدخول في الدين، أبدًا، وإنما من باب آخر من باب إيصال الرسالة التي تحمي الإنسانية من غوائل وزيف الشر والفساد - والتي تقتلع بذور الشر والفساد في النفوس والأمم. 

لا بد لهذه الرسالة أن تصل وتصل بالحسن ولكن إذا اقتضى الأمر أن يكون هناك مواجهة فالمؤمن يواجه ولكن دون ظلم ولا اعتداء على أحد فالله لا يحب المعتدين بل يحب المتقين - بل يأمر عباده بعدم الاعتداء على أحد. 

هذه التعاليم العظيمة التي جاءت في سورة البقرة ترتقي بنفوس العالم ترتقي بتلك الأمة التي نزل عليها القرآن أول ما نزل وكانت تقتتل لسنوات وسنوات فيما بينها على أبسط الأمور، على الماء والكلأ والأشياء المادية المحدودة. ذ

ربي سبحانه وتعالى أنقذها عمليًا وتاريخيًا من كل ذلك من ذاك التخبط، من ذاك النزاع من ذاك الصراع المحموم، أنقذها بهذه التعاليم العظيمة. وعالمنا اليوم الذي يعاني من كل تلك البؤر بؤر المحمومة بؤر النار والنزاع المادي الذي لم يأت للعالم بخير أبدًا، 

لا يمكن لهذا العالم أن تُتنزع وتُقتلع منه تلك البؤر إلا بالعودة إلى هذا المنهج الرباني لأنه منهج لا يحابي أحدًا، منهج من الرب لخلقه لا يفرق بين أبيض وأسود لا يفرق بين الناس بناء على أعراقهم وأجناسهم ولغاتهم لا يفرق بين الناس لا يفرق بين أحد لأن الخلق الرب هو الذي خلقهم جميعًا وخلق ذلك التنوع والاختلاف والتعدد بينهم وما أراد بهم إلا الخير حين أنزل ذلك المنهج حين أعطاهم تلك التعاليم الربانية وحين بيّن لهم وأوضح أن الهلاك في البعد عن هذا المنهج وأن النجاة في التزام ذلك المنهج وأن التزام المنهج لا يكون مجرد شعار أو خُطَب أو كلمات (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ) خذ المنهج بقوة في حياتك في تطبيق كي تحقق المنهج وتُسعَد به وتُسعِد به من حولك. 

هذه هي رسالة سورة البقرة ولذلك ختم الجزء الثاني من سورة البقرة بقصة طالوت وجالوت ليبين معنى الثبات على الحق والصبر على تعاليم المنهج والتزاماته مؤكدًا سنة التمحيص والغربلة والتدافع بين الناس ليُحِقّ الله الحق بكلماته وعلى أيدي مَنْ؟ ربما تكون على أيدي فئة قليلة 

(كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ (249)) 

ولكن لكي تغلب هذه الفئة من الناس لا بد أن ينتصر المنهج في نفوسها أولًا، في سرّها قبل أن يكون في العلن، لا بد أن تتخلص من أدواء النفس ونزعاتها وأنانيتها وتسلّطها ورغبتها في التسلط والجبروت والتكبر على الآخرين. فما كان لذلك المنهج ولا لأصحابه أن يرتقوا على أنفسهم وحياتهم إلا بتلك التعاليم وتطبيقاتها، ما كان لهم أن يرتقوا بعيدًا عن ذلك المنهج. 

👈- ثم تأتي في بداية الجزء الثالث من السورة بالتأكيد مرة أخرى على أن دعوة الأنبياء واحدة وأن لا عداء بين الأديان على الإطلاق ولذلك في عصرنا الحاضر من يدّعي ويلعب على وتر أن ما يحدث من نزاعات إنما هو بين الأديان المختلفة هذا الكلام لا واقع له من الصحة على الإطلاق، الديانات الحقة السمواية جاءت برسالة واحدة ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ).

الرسل جاؤوا برسالة واحدة رسالة التوحيد رسالة العدل إذن لماذا يحدث هذا النزاع وهذا الصراع؟ وما حدث من اختلاف في أتباعهم بعد ذلك، ما كان لأجل الدين وما كان لتحقيق رسالة الأديان ومنهج الأديان في الكون وإنما كان لأجل النفس وأطماعها ونزعاتها وأنانيتها ورغبتها في التسلط على الآخرين كما حدث في قصة طالوت وجالوت، المسألة لا يمكن أن تخرج عن ذلك الإطار. 

ثم تأتي الآية العظيمة أعظم آية في كتاب الله، تلك الآية التي قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبيّ بن كعب[1]: يا أبا المنذر أيّ آية معك من كتاب الله أعظم؟ فيقول أُبيّ: قلت الله ورسوله أعلم، قال أبا المنذر أيّ آية معك من كتاب الله أعظم؟ قال: قلت الله لا إله إلا هو الحي القيوم (آية الكرسي) قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدري وقال: ليهنك العلم أبا المنذر. 

آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله، تلك الآية التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تُصبح. 

من أين جاء الحفظ في هذه الآية العظيمة؟ أعظم آية في كتاب الله، آية التوحيد، آية الكرسي هي آية التوحيد، الآية التي يتعرّف الله سبحانه وتعالى ويتجلّى فيها لعباده بصفاته فالقرآن كما يقول ابن القيم: كلام الله تجلّى الله فيه لعباده بصفاته. وفي هذه الآية العظيمة ربي سبحانه وتعالى تجلّى لعباده بصفاته في هذه الآية (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) وابن القيم لديه كلمة في هذه العبارات يقول: القرآن كلام الله وقد تجلى الله فيه لعباده بصفاته فتارةً يتجلى في جلباب الهيبة والعظمة والجلال فتخضع الأعناق وتنكسر النفوس وتخشع الأصوات ويذوب الكِبْر كما يذوب الملح في الماء - وتارةً يتجلى في صفات الجمال والكمال وهو كمال الأسماء وجمال الصفات وجمال الأفعال الدالّ على كمال الذات فيستنفد حبه من قلب العبد قوة الحب كلها بحسب ما عرف ذلك العبد من صفات جماله سبحانه ونعوت كماله فيصبح العبد فارغ القلب إلا من محبته سبحانه وتعالى. 

وهذه الصفات نراها واضحة في هذه الآية العظيمة حين يقرأها المؤمن بقلبه قبل أن تتحرك بها شفتاه. 

( اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)) 

صفات عظيمة صفات تولد في قلب المؤمن صفات التوكل على الله عز وجل تأخذ من كل هذه الصفات أعمال قلبية 

نحن بشر تحيط بنا المخاوف، الوساوس، الشكوك، الأوهام من اشياء متعددة هذه المخاوف لا يمكن أن تبدد إلا من خلال شحنة إيمانية وقوة إيمانية دافئة، القوة الإيمانية في هذه السورة العظيمة وبخاصة في آية الكرسي حين يقرأها المؤمن وهو مؤمن بها وهو مستشعر لعظمة ما يقرأ مستحضر للآيات التي قرأ مستحضر لكل حرف في تلك السورة وفي تلك الآية. فيصبح الإنسان في حرز يتخلص من المخاوف الموهومة، الخوف من العين، الخوف من السحر، الخوف من الحسد، الخوف من الفقر، الخوف على المستقبل، الخوف على النفس، الخوف من المرض، الخوف على الأولاد، يُسقط عنه كل تلك المخاوف الموهومة بنور الإيمان حين يتجلى في قلبه، نور الإيمان بصفات الكمال والجلال لله الواحد القهار، وكلما شهد العبد هذ الصفات حين يقرأ هذه الآية العظيمة ولّدت لديه توكلًا على الله، شعورًا بالافتقار إلى الله سبحانه والاستعانة به دون سواه والذل والخضوع والانكسار له وهذا محض التوحيد والعبودية، هذا محض رسالة التوحيد العظيمة أن يشعر الإنسان أن لا حاجة له إلى أحد سوى الله سبحانه وتعالى فيخشع القلب لله تعظيمًا وإجلالًا وتوقيرًا ومهابة وينكسر بين يدي خالقه ويشهد نِعَم الله عز وجل فيخشع القلب فتتبعه الجوارح وتسير على هداه. 

القلب قائد، القلب يخشع حين يقرأ هذه الآية العظيمة بالقلب، بالإحساس، لا يبقى هناك خوف من أحد! تتبدد المخاوف وما أكثر المخاوف التي نعاني منها في وقتنا الحاضر! بعض الناس لا ينام بالليل من القلق، من الأرق، من الخوف ولكن من ملأ الإيمان بربه قلبه أيخاف أحدًا؟ أيخاف شيئًا؟! 

أيمكن لك أن تخاف شيئًا والله مولاك؟! 

أيمكن لك أن تخاف على رزقك ومن بيده ملكوت السموات والأرض لك ربًا؟! 

أيمكن ذلك؟! ولذلك جاءت الآيات التي تليها بعد (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) وبعد أن تعرّف الله سبحانه وتعالى وعرّف ذاته العليّة لخلقه بصفاته جاءت الآيات (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ) ماذا عليك حين يكون الله مولاك يتولى شؤونك يصرّف حياتك يدبر لك المستقبل كما دبر لك الماضي والحاضر يطعمك ويسقيك ويشفيك، يعطيك ويدافع عنك ويمنع عنك ويحفظك ويتولاك، ماذا عليك؟! أتخاف البشر؟! أيستقيم الخوف من البشر بالسحر بالحسد بالعين بالرزق بالمال بالوظيفة باي شيء، ايستقيم الخوف من البشر مع وجود هذه الصفات الإيمانية في قلب المؤمن؟! لا يستقيم. 

نعم المخاوف موجودة، نعم المخاطر موجودة لا أحد ينكر وجود هذه الأشياءلا أحد ينكروجود الشر لكن ما عليك أن تحرر قلبك منه هو الخوف من الشر، الشر موجود ولكن حرّر قلبك من الخوف ولا يمكن للقلب أن يتحرر إلا حين يخضع لخالقه عز وجل ويعبد الله سبحانه وتعالى حق عبادته وينكسر بين يديه ويستشعر بضعفه وفاقته وحاجته لخالقه وأنه في حمى مولاه وأنه في حفظ الله عز وجل وأن ما من شيء في الكون يحدث ولا حتى ورقة تسقط من شجرة إلا بعلمه، فربك عليم، ربك عليّ، ربك عظيم، لا تخف، لا تخشى شيئًا، لا عليك، تخلص من المخاوف والأحزان. 

ويأتي السؤال الواضح هنا: لماذا التركيز في سورة البقرة على التخلص من هذه المخاوف والأحزان, وأن البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة يفر منه الشيطان، 

لم هذا الحديث؟ 

إذا كان الصانعُ خبيرًا بما يصنع، عالمًا بأحواله، فما ظنُّكم بربِّكم الذي خلقكم وذرأكم؟ 

الله أعلمُ بحالك منا، وهو لطيفٌ بخَلقه خبيرٌ بعباده، يعلم أن اليد الضعيفة المرتعشة من الخوف لا يمكن أن تأخذ الكتاب بقوة،

الإنسان الذي تريد سورة البقرة أن تصنعه حر، إنسان قوي، إنسان قادر على أن يلتزم المنهج الرباني في واقع الحياة. 

لا يمكن لإنسان خائف جبان متردد مليئة رأسه بالأوهام والوساوس والقلق والأرق لا يمكن لمثل هذا الإنسان أن يلتزم بالمنهج في الواقع، لا يمكن أن يأخذ هذا الكتاب بقوة،

الكتاب الذي يؤخذ بقوة لا بد أن تمسك به أيادٍ قوية أياد لا ترتعش من الخوف لا ترتعد من الشر، لا تخشى شيئًا، لا تخشى إلا الله الواحد القهار. 

المؤمن الذي سكن قلبه الإيمان والذي شهد قلبه معاني التعظيم والإجلال لله سبحانه وتعالى الذي تبنيه سورة البقرة وأية الكرسي أعظم آية في كتاب الله. 

له شحنة هائلة من القوة والدافعية من إيمانه بخالقه، مستيقنا بأن كل شيء خاضع لعظمته - وهذه المعاني واضحة تمامًا بتأكيد النبي صلى الله عليه وسلم على قرآءة آية الكرسي صباحًا مساءً بعد كل صلاة لتتركز تلك المعاني في قلوبنا، لنطمئن، لنشعر بالأمان، الأمان العملة المفقودة في عالمنا! 

فالخوف يأتي مع ضعف التوحيد في قلوب الناس، ضعف شعلة التوحيد، خفت وخبت تلك الشعلة العظيمة التي أضاءت العالم أمنًا وأمانًا ورحمة وعدلًا وسلامًا، 

ما أجمل الربط في آيات السورة العظيمة، كل آيات السورة مترابطة. 

فبعد الحديث عن آية الكرسي وما صنعته في قلب المؤمن جاء الحديث عن الإنفاق. دستور الإنفاق في سبيل الله .

لأن المؤمن الذي يخاف على المستقبل وعلى أمواله من النفاد وعلى ثروته من أن تبدد أو تضيع لا يمكن له أن يبذل ولا يمكن له أن يضحّي ولا يمكن له أن يُعطي - وهو مناقض ثماما للمؤمن الذي تريد صنعه سورة البقرة:  إنسان معطاء يبذل الغالي والنفيس في سبيل الله. 

سورة بآياتها تعلم الانسان أن ما تنفقه يداه الله يخلفه، أنا ما عندكم ينفد مهما زاد وما عند الله باق، ما عندكم ينفد وما عند الله باق وأن الإنفاق لا يمكن أن يقلل من المال وإنما الذي يقلل من المال حقيقة مخالفة المنهج الرباني 

الرب الذي أمرك بالإنفاق و ضمِنَ لك أن لا يقلّ ذلك المال الذي بين يديك بل يزداد ويتضاعف أضعافًا مضاعفة .

ثم جاءت الآية بالمقابل 

(يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ (276)) 

الربا مخالفة للمنهج الرباني مخالفة صريحة، الربا استغلال للضعفاء، الربا انعدام للإنسانية بل هي حرب على الانسان، الربا يتعارض مع شعوري بأني أنا إنسان عليّ أن أمد يد الخير والعون البذل والعطاء لمن هو أضعف مني وأقل مني قدرة.

جاءت سورة البقرة لتبددت تلك الأفة التي اكتوى بنارها ولا يزال يكتوي بها عالمنا المعاصر- انها أفة الربا والفوائد في البنوك. لقد أعلن العلم إفلاسه أكثر من مرة من ويلات الربا - والإفلاس ما كان إفلاس بنوك فقط - بل كان إفلاسًا في النفوس - وإفلاس قلوب ضيعت البشرية المنهج الرباني الذي أمر بالإنفاق وحرّم الربا. يقول عز من قائل:

(يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) 

يمحقها بالفعل، الخير كل الخير في اتباعك للمنهج الرباني والشر كل الشر في مخالفتك للمنهج الرباني ولذلك قال ربنا وعقّب في ختام الحديث عن آيات الربا بتحذير البشر 

(فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ (279)) 

فإن لم تفعلوا بترك الربا فاذنوا بحرب من الله ورسوله، وما يعيشه عالمنا المعاصر اليوم حرب بكل المقاييس.

لِمَ الحرب؟ مخالفة المنهج!. سورة البقرة تجيب عن أسئلتي، تجيب عن المعضلات التي دوخت رؤوس العالم اليوم، رؤوس العلماء والمفكرين والنقاد والمحللين سياسيين واقتصاديين واجتماعيين، لِمَ كل المعاناة في العالم المعاصر رغم كل التقدم التقني الذي نحن فيه والعلمي؟ 

لِمَ المعاناة؟ لِمَ زادت الحروب؟ لِمَ زاد الفقر؟ لِمَ زاد الشقاء؟ لِمَ زادت التعاسة؟ لم زاد الضنك؟ لم زاد التعب؟ لم زاد المرض رغم التقدم في وسائل الطب؟ 

هذه الأسئلة تجيب عنها سورة البقرة بطريقة واضحة لمن يتدبر في آياتها ويقف عند معانيها 

(فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) 

إذن هي الحرب! لأنك أنت بدأتها.

فحين أنت يا إنسان تعلن الحرب على المنهج الذي أنزله الخالق إليك ليهديك وينقذك ليسعدك لا ليشقيك - ليعطيك لا ليمنعك - ليهديك و ليأحذ بيديك نحو الراحة التي تنشد نحو السعادة التي تروم، نحو النعيم الذي تتأمله ولكنك لا تدري كيف تصل إليه، 

إذن هي الحرب! 

هذه هي سورة البقرة. 

ثم تنتقل الآيات للحديث عن أبسط المعاملات المادية، الدَيْن، 

هذه السورة العظيمة تدخل في كل خلجات النفس فتداويها، في كل حركات الحياة الإنسانية فتعالجها وتضع البصمة الحقيقية عليها، بصمة التقوى. 

التقوى حاضرة في كل معاملات الحياة، في الدين في الكتابة في الشهادة في كل شيء. 

وتعود السورة وتؤكد في ختام آياتها  أن لا هداية للبشرية بعيدًا عن المنهج الرباني، لا هدايةعلى الإطلاق. 

المنهج الرباني لم يكن مجرد شعار ولا مجرد كلمات تُحفظ في الصدور، لا بد أن يكون واقعًا واقع يُطبّق.

الأمانة ليست شعارًا, الأمين يمارس الأمانة في حياته. فالنبي صلى الله عليه وسلم ما لقّب نفسه قبل البعثة بأنه الصادق الأمين ولكن قومه قالوا عنه الصادق الأمين لأنه عُرف بصدقه وأمانته. 

فألأخلاق والسلوك والمعاملة ستكون هي الشعار الحقيقي هي الصدى الحقيقي لما تؤمن به لما تشعر به. 

وبعد الحديث تختم سورة البقرة بالدعاء العذب، الدعاء الذي يبين عجز الإنسان وتقصيره، شعوره بالانكسار بين يدي خالقه: يا رب أنا فعلت كل ما استطيع، فعلت جهدي 

(لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) 

ولكن في نهاية المطاف أنا بشر تصدر مني أخطاء، يصدر مني نسيان 

(رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) 

اعتراف قد يصدر مني خطأ أو نسيان لكن يا رب لا تؤاخذني بكل ذلك فهو خارج عن إرادتي ولكن الذي ليس خارجًا عن إرادتي فعلي في الواقع، تطبيقي، هذه الإرادة التي يطّلع الله عليها ولذلك جاءت بدايات الآيات في الدعاء في ختام سورة البقرة 

(وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ (284)) لتُحكم مفهوم المراقبة الذاتية، مفهوم أن تراقب الله في سرّك، مفهوم أن تكون حريصًا على أن يكون سرك خيرًا من علانيتك، هذا الحرص لا يمكن أن يتحقق إلا حين تؤمن أن الله مطّلع على سرّك وأن السرّ عنده علانية 

(وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ) 

فطالما أن هذه المعاني قد استحكمت في ذاتي فإذن 

(رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) 

قد يصدر مني خطأ معفو عنه وقد يصدر مني نسيان معفو عنه لأني لم أتعمد ذلك الخطأ، لم أتعمد المخالفة، لم أتقصد أن أخالفك يا رب في منهجك، قصدتُ الطاعة قصدت السير على المنهج ولكن قد تقع بعض الأخطاء. 

(رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) 

هذا الإنسان الذي صنعته سورة البقرة بتعاليمها، الإنسان الذي يتعلم سورة البقرة الإنسان الذي يدافع عن سورة البقرة، عن الزهراوين وعن القرآن بماله وحياته لأجل أن يطبّق ما جاء فيها، إنسان يستحق بفضل الله أن تدافع عنه سورة البقرة يوم القيامة، يستحق أن تُظلّه سورة البقرة يوم القيامة في ذلك اليوم العصيب، في ذلك اليوم الذي يبلغ فيه الناس مبلغًا عظيمًا من التعب والجهد والحر والانتظار، في ذلك اليوم تأتي هذه السورة ومعها آل عمران “تقدمه سورة البقرة وآل عمران” يشفع يحاجّ عن صاحبه بحفظه 

فالقاعدة هي: 

كلما ازددت حفظًا لكتاب الله في قلبك وحياتك وسلوكك زادك الله حفظًا في نفسك وفي مالك وفي أسرتك وفي عالك وفي مجتمعك. 

تريد الحفظ من الله؟ احفظ الله يحفظك، قالها صلوات الله وسلامه عليه لابن عباس رضي الله عنهما “احفظ الله يحفظك”. احفظ القرآن احفظ سورة البقرة بالتعاليم بالذكر الذي تكلمنا عنه احفظها في قلبك احفظها في سلوكك في تعاملك وأخلاقك يحفظك الله بها فالجزاء من جنس العمل. 

(رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) 

ولذلك هذه الايات من سورة البقرة هي التي جاء عن ابن عباس أنه قال: بينما جبريلُ قاعدٌ عند النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سمع نقيضًا من فوقِه فرفع رأسَه فقال: هذا بابٌ من السماءِ فُتِحَ اليومَ لم يفتح قط إلا اليومَ فنزل منهُ ملكٌ فقال: هذا ملكٌ نزل إلى الأرضِ لم ينزل قط إلا اليومَ فسلَّم وقال: أبشِرْ بنوريٍنِ أوتيتهما لم يؤتهما نبيٌّ قبلك فاتحةُ الكتابِ وخواتيمُ سورةِ البقرةِ لن تقرأَ بحرفٍ منهما إلا أُعطيتَه. الراوي: عبد الله بن عباس، المحدّث: مسلم – المصدر: صحيح مسلم – الصفحة أو الرقم: 806 – خلاصة حكم المحدث: صحيح. 

هذه الخواتيم العظيمة الخواتيم التي تُشعر الإنسان بحفظ الله سبحانه وتعالى له لأنه قد حفظ آيات هذه السورة العظيمة في حياته وواقعه في عمله وسلوكه في عطائه في زواجه في أسرته في مجتمعه، الحفظ والأمن والأمان والسلام والرحمة التي ينشدها العالم المعاصر اليوم ولا يكاد يجد سبيلًا إليها في هذه السورة العظيمة سورة البقرة.


Aucun commentaire: